فصل: باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب

1690- مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حفصة خمار رقيق فشقته عائشة وكستها خمارا كثيفا‏.‏

1691- مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وريحها يوجد من مسير خمسمائة سنة قال أبو عمر المعنى في هذين الحديثين سواء فكل ثوب يصف ولا يستر فلا يجوز لباسه بحال إلا مع ثوب يستر ولا يصف فإن المكتسية به عارية كما قال أبو هريرة وهو محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة من غير رواية مسلم بن أبي مريم وقد رواه عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعلم أحدا رواه مسندا عن مالك غيره إلا رواية جاءت عن بن بكير عن مالك قد ذكرتها في التمهيد حدثني خلف بن قاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني العباس بن محمد البصري قال حدثني أحمد بن صالح البصري قال قرأت على عبد الله بن نافع عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره‏.‏

وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني الحسن بن الحضر قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان من أهل النار قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا كذا أما قوله كاسيات عاريات فمعناه كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة إذ لا تسترهن تلك الثياب وقوله مائلات يعني عن الحق مميلات يعني لأزواجهن إلى أهوائهن وقوله لا يدخلن الجنة إلى آخر قوله مقيد عندي بقول الله عز وجل ‏(‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ‏[‏النساء 48‏]‏‏.‏ وقوله ‏(‏قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف‏)‏ ‏[‏الأنفال 38‏]‏‏.‏ وقوله ‏(‏فأغفر للذين تابوا‏)‏ غافر 7‏.‏

1692- مالك عن يحيى بن سعيد عن بن شهاب أن رسول الله قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال ماذا فتح الليلة من الخزائن وماذا وقع من الفتن كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب الحجر هذا الحديث يروى مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفهمه يحيى بن سعيد من رواية مالك ولا من رواية غيره عنه وقد ذكرنا الاختلاف على يحيى بن سعيد فيه في التمهيد وقد جوده معمر عن بن شهاب حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن المبارك‏.‏

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أن النبي استيقظ ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الله عز وجل من الفتن وماذا فتح من الخزائن وهذا لفظ بن المبارك وقال عبد الرزاق بإسناده عن أم سلمة قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وهو يقول لا إله إلا الله ماذا فتح الله من الخزائن لا إله إلا الله ماذا أنزل الله من الفتنة ثم اتفقا فقالا من يوقظ صواحب الحجر رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة وقال عبد الرزاق يا رب كاسيات في الدنيا عاريات يوم القيامة في هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن غيب وقع بعده وذلك أنه فتح الله على أمته بلدان المشرق والمغرب من ديار الكفر ودرت به الأرزاق وعظمت الخيرات وذلك كله من خزائن رحمة الله ووقع من الفتن بعده منذ قتل عثمان - رضي الله عنه - إلى يومنا هذا ما لا يحيط بعلمه إلا هو ولن يزال الهرج إلى قيام الساعة - والله أعلم‏.‏

وأما قوله أيقظوا صواحب الحجر فالحجر جمع حجرة وهي بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم أمر أن يوقظن في تلك الليلة لئلا يكن من الغافلين في ليلة فيها آية من آيات الله - عز وجل - ولعلها كانت ليلة القدر التي يفرق فيها كل أمر حكيم أو غيرها فقد كانت فيها آية ومن سنته صلى الله عليه وسلم عند الآيات ذكر الله والصلاة‏.‏

باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبة

1693- مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة وذكره عن عبد الله بن دينار وحده عن بن عمر مسندا أيضا وذكره‏.‏

1694- عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلى من يجر إزاره بطرا قال أبو عمر في هذا الحديث أن من يجر إزاره أو ثوبه خيلاء أو لم يجره بطرا لم يلحقه الوعيد المذكور فيه والخيلاء الاختيال وهو التكبر والتبختر والزهو وكل ذلك أشر وبطر وازدراء على الناس واحتقار لهم والله لا يحب كل مختال فخور ولا يحب المستكبرين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ركانة قال لا يدخل شيء من الكبر الجنة وقد ذكرنا في التمهيد من حديث بن المبارك عن موسى بن عقبة عن سالم عن إبيه أن أبا بكر الصديق قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا الحديث يا رسول الله ‏!‏ إن أحد شقي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست تصنع ذلك خيلاء ورواه سفيان بن عيينة عن موسى بن عقبة وعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار ما ذكر قال أبو بكر يا رسول الله ‏!‏ إن إزاري يسترخي من أحد شقي أحيانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست منهم يا أبا بكر‏.‏

1695- مالك عن نافع وعبد الله بن دنيار وزيد بن أسلم كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء وقد كان بن عمر يكره أن يجر الرجل ثوبه على كل حال خيلاء كان ذلك أو بطرا أو غير خيلاء ولا بطرا وقد ذكرنا الآثار عنه بذلك في التمهيد والحجة لابن عمر حديث مالك في هذا الباب‏.‏

1696- عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار فقال أنا أخبرك بعلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما أسفل من ذلك ففي النار ما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد حديث بن عمر أنه قال ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص يعني أن ما تحت الكعبين من القميص فهو في النار وكما قال في الإزار عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره فضول الثياب ويقول فضول الثياب في النار وسئل سالم بن عبد الله عما جاء في إسبال الإزار ذلك في الإزار خاصة فقال بل هو في القميص والإزار والرداء والعمامة وعن نافع أنه سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين ففي النار من الثياب ذلك فقال وما ذنب الثياب بل هو من القدمين قال أبو عمر قد كانت العرب تمدح تشمير الإزار وقال متمم بن نويرة في رثائه لأخيه مالك بن نويرة‏:‏

تراه كنصل السيف يهتز للندى *** وليس على الكعبين من ثوبه فضل

وقال العجير السلولي‏:‏

وكنت إذا داع دعا لمضوفة *** أشمر حتى ينصف الساق مئزري

وقد زدنا معاني هذا الباب بيانا بالآثار والأشعار في التمهيد وأجمع العلماء على أن تشمير الثياب للرجال لا للنساء‏.‏

باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها

1697- مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى بن عمر عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت حين ذكر الإزار فالمرأة يا رسول الله قال ترخيه شبرا قالت أم سلمة إذا ينكشف عنها قال فذراعا لا تزيد عليه قال أبو عمر عجبت من بن وضاح كان يقول لا تزيد عليه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد روينا هذا الحديث من وجوه كثيرة قد ذكرتها في التمهيد فيها كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم فذراعا لا تزيد عليه واختلف في إسناد هذا الحديث على نافع على ما ذكرناه في التمهيد ولم يختلفوا عليه في لفظه إلا أن بعضهم يقول فيه إذن ينكشف قدمها ومنهم من يقول إذن تخرج أقدامهن قال فذراع لا تزيد عليه وقد ذكر القعنبي وغيره عن مالك في هذا الباب من الموطأ حديث مالك عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة فقالت إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر ‏!‏ فقالت أم سلمة قال رسول الله يطهره ما بعده وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في كتاب الصلاة وهذان الحديثان يدلان على أن نساء العرب لم يكن يلبسن الخفين ولو لبسن الخفين ما احتجن إلى إطالة الذيول وإن كان منهن من يلبس الخفين في السفر لا في الحضر وهذا هو المعروف عند السلف في زي الحرائر ولباسهن إطالة الذيول ألم تسمع إلى قول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت‏:‏

كتب القتل والقتال علينا *** وعلى المحصنات جر الذيول

وقد روي أن أول امرأة جرت ذيلها هاجر أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام ذكر سنيد قال حدثني بن عليه عن أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أول امرأة جرت ذيلها أم إسماعيل لما قربت من سارة أرخت ذيلها لتقفي أثرها قال ومن هذا أخذت نساء العرب جر الذيول قال بن عباس وأول من سعى بين الصفا والمروة أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم‏.‏

باب ما جاء في الانتعال

1698- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا قال أبو عمر هذا نهي أدب وإرشاد والله تعالى أعلم وإجماعهم أنه إذا مشى في نعل واحدة لم يحرم عليه النعل وليس عاصيا عند الجمهور وإذا كان بالنهي عالما‏.‏

وأما أهل الظاهر فقالوا هو عاص إذا كان بالنهي عالما وقد مضى في باب النهي عن أكل ذي ناب من السباع الأصل ما يكون من النهي نهي تحريم وما يكون منه على وجه الأدب والندب والاستحسان فلا وجه لإعادته وقد روى جابر بن عبد الله في هذا الباب مثل ما رواه أبو هريرة أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أبو الوليد الطيالسي قال حدثني زهير قال حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمش في خف واحدة ولا يأكل بشماله وحديث أبي هريرة وحديث جابر هذان صحيحان ثابتان وقد روي عن عائشة - رضي الله عنها - معارضة لحديث أبي هريرة في هذا الباب ثم لم يلتفت أهل العلم إلى ذلك لأن السنن لا تعارض بالرأي فإن قيل لم تعارض أبا هريرة برأيها وإنما ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما انقطع شسع نعله فمشى في نعل واحد قيل لم يرو هذا والله أعلم إلا مندل بن علي عن ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ومندل وليث ضعيفان لا حجة في ما نقلا منفردين فكيف إذا عارض نقلهما نقل الثقات الأئمة وبالله التوفيق ذكر أبو بكر قال حدثني بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة كانت تمشي في خف واحدة وتقول لأخيفن أبا هريرة وهذا هو الصحيح لا حديث مندل عن ليث وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه مشى في النعل الواحدة وهذا يحتمل أن يكون يسيرا وهو يصلح الأخرى وأن يكون لم يبلغه ما رواه أبو هريرة وجابر فما من الصحابة إلا من غاب عنه بعض السنن وكانت عند غيره منهم على أن حديث علي لا يثبت لأنه إنما يرويه زياد بن أبي يزيد عن رجل من مزينة عن علي أنه رآه يمشي في نعل واحدة وهو يصلح شسعه وكذلك رواية ليث عن نافع عن بن عمر مثله سواء وهو ليث بن أبي سليم ضعيف ليس بحجة وقد ذكرنا في التمهيد من حديث بن عون عن بن سيرين قال كانوا يكرهون أن يمشي الرجل في النعل الواحدة ويقولون ولا خطوة واحدة وروى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك أنه سئل عن الذي ينقطع شسع نعله وهو في أرض حارة هل يمشي في الأخرى حتى يصلحها قال لا ولكن ليخلعهما جميعا أو ليقف‏.‏

1699- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال ولتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في أمره كله في طعامه وشرابه ولباسه وانتعاله ووضوئه وغير ذلك من شأنه والمعنى والله أعلم في الابتداء باليمنى في الانتعال يفضل اليمنى على اليسرى بالإكرام لها لبقاء زينتها من اللباس عليها شيئا ما فتكون أول ما تكسى الخف والنعل وآخر ما ينزع ذلك منها قد قيل هذا والله عز وجل - أعلم بما أراد نبيه صلى الله عليه وسلم بتفضيل اليمنى على اليسرى وحسبنا التبرك باتباعه في جميع أفعاله فإنه مهدي موفق صلى الله عليه وسلم ومن تفضيله اليمن أن جعلها للأكل والشرب وجعل اليسرى للاستنجاء وقد ذكرنا في التمهيد حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا بميامنكم وقد روينا عن جماعة من السلف أنهم كانوا يبدؤون في الانتعال باليمنى وإذا خلعوا بدءوا باليسرى وذلك لصحة الحديث المذكور في هذا الباب عندهم والله أعلم‏.‏

1700- مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أن رجلا نزع نعليه فقال لم خلعت نعليك لعلك تأولت هذه الآية ‏(‏فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ‏)‏ ‏[‏طه 12‏]‏‏.‏

قال ثم قال كعب للرجل أتدري ما كانت نعلا موسى قال مالك لا أدري ما أجابه الرجل فقال كعب كانتا من جلد حمار ميت قال أبو عمر قد تابع كعبا على قوله - أن نعلي موسى كانتا حين كلمه ربه من جلد حمار غير ذكي - طائفة من أهل العلم منهم عكرمة وقتادة وروي ذلك عن علي بن أبي طالب من طريق منقطع ضعيف وروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت نعلا موسى من جلد حمار غير ذكي يوم كلمه الله عز وجل قال أبو عمر حميد الأعرج هذا ليس هو حميد بن قيس المكي الأعرج المقرئ شيخ مالك وإنما هو حميد بن عطاء الأعرج الكوفي ضعيف الحديث كلهم يضعفه وأكثر أحاديثه مناكير وعبد الله بن الحارث هذا هو المكتب الزبيدي الكوفي لم يسمع من بن مسعود شيئا وإنما يروي عن أبي كثير الزبيدي زهير بن الأقمر وكان الحسن البصري ومجاهد يقولان لم تكن نعلا موسى من جلد حمار ميت وإنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض المقدسة والمقدسة المطهرة المباركة ذكر بن جريج عن مجاهد أنه قيل له أكانت نعلا موسى من جلد حمار أو ميتة قال لا ولكن أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض قال مجاهد في قوله ‏(‏إنك بالواد المقدس طوى ‏)‏ ‏[‏طه 12‏]‏‏.‏

قال طيء الأرض حافيا والوادي المقدس قالوا قدس مرتين بورك مرتين قال بن جريج وقال الحسن كانتا من جلد بقر وإنما أراد أن يباشر بقدميه بركة الأرض وكان قد قدس مرتين وقال بن أبي نجيح في قول الله عز وجل ‏(‏فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ‏)‏ ‏[‏طه 12‏]‏‏.‏

يقول أفض بقدميك إلى بركة الأرض وقد حدثني عبد الله بن سعيد وهو السختياني قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن فراس‏.‏

وحدثني سعيد بن عثمان قال حدثني أحمد بن دحيم قالا حدثني محمد بن إبراهيم بن الفضل الديلي قال حدثني أبو عبد الله المخزومي قال حدثني سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن أبي قلابة قال قال كعب الأحبار إنما أمر الله عز وجل موسى أن يخلع نعليه لأنهما كانتا من جلد حمار ميت وأراد أن يباشر الوادي المقدس بقدميه قال أبو عمر هذه الرواية عن كعب جمعت المعنيين معا‏.‏

باب ما جاء في لبس الثياب

1701- مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين عن الملامسة وعن المنابذة وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه قال أبو عمر قد مضى تفسير معنى الملامسة والمنابذة في كتاب البيوع‏.‏

وأما قوله أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وأن يشتمل بالثوب الواحد على أحد شقيه فهذا عند العلماء هو تفسير معنى اللبسة الصماء التي جاء الحديث في النهي عنها حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا كثير بن هشام قال حدثني جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين الصماء وهي أن يلتحف الرجل في الثوب الواحد أو يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس بين فرجه وبين السماء ستر قال أبو عمر سيأتي تفسير الصماء وما قال في ذلك أهل اللغة والفقهاء في باب النهي عن الأكل بالشمال فهناك ذكر مالك حديثه عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في لبسه الصماء‏.‏

1702- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فقال يا رسول الله ‏!‏ لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر يا رسول الله أكسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة قال أبو عمر لا يختلفون أن الحلة عند العرب ثوبان اثنان أكثرهما من البرود اليمنية‏.‏

وأما قوله سيراء فقيل هي البرود التي يخالطها الحرير حكي ذلك عن الخليل وروينا عن بن شهاب قال السير المضلع بالقز وهذا مذهب من لم يجز لباس ثوب خالطه حرير أو كان فيه شيء من الحرير سداء أو لحمة وسنذكر من ذهب إلى هذا من العلماء وقيل الحلة السيراء هي الحرير الصافي ليس فيه غير الحرير وهذا هو الذي تدل عليه الآثار وهو الصحيح في صفة هذه الحلة رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن عمر قال يا رسول الله ‏!‏ إني مررت بعطارد - أو لبيد - وهو يعرض حلة حرير فلو اشتريتها للجمعة وللوفود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ورواه الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه فقال فيه حلة من إستبرق والإستبرق الحرير الغليظ وقيل الديباج الغليظ وفي حديث سالم أيضا أن الرجل البائع المذكور للحلة المذكورة عطارد أو لبيد ورواه محمد بن سيرين عن بن عمر عن عمر أنه خرج يريد النبي صلى الله عليه وسلم فمر بالسوق فرأى عطاردا يقيم حلة حرير يعني أقامها للبيع قال أبو عمر أجمع العلماء على أن لباس الحرير حلال للنساء وأن الثوب إذا كان حريرا كله سداه ولحمته لا يجوز لباسه للرجال حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال‏.‏

وحدثني علي بن إبراهيم بن حمويه قراءة مني عليه قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني أبو بكر يموت بن المزرع بن يموت البصري قراءة عليه قالا حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الصيرفي قال حدثني يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد وأبو معاوية الضرير وحماد بن مسعدة زاد محمد بن إبراهيم في حديثه ومعتمر بن سليمان كلهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لإناث أمتي لباس الحرير والذهب وحرم على ذكورها وروى تحريم لباس الحرير على الرجال عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين والبراء بن عازب وعبد الله بن الزبير وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعقبة بن عامر وأبو أمامة وأبو هريرة وقد ذكرنا كثيرا من أحاديثهم في التمهيد وأجمع العلماء على أن ملك الحرير للرجال جائز حلال وإنما حرم عليهم لباسه واختلفوا في استعمال الرجال له في غير اللباس كالبسط والارتفاق وشبهه ورخصت طائفة من العلماء للرجال لباس ما فيه العلم من الحرير الأصبع والأصبعين والثلاثة وحجتهم في ذلك حديث عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أهل البصرة مع عتبة بن فرقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير وقال لا تلبسوا منه إلا كذا أو كذا وأشار بالسبابة والوسطى وبعض رواته يقول فيه وأشار بالسبابة والإبهام قالوا فعلمنا أنها الأعلام وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد وكانت عائشة ترخص في العلم من الحرير للرجال وكذلك أسماء بنت أبي بكر وأنكرت على عبد الله بن عمر تحريم قليله وكثيره حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبي عمر مولى أسماء قال رأيت بن عمر اشترى عمامة لها علم فدعا بالجلمين فقصه فدخلت علي أسماء فذكرت ذلك لها فقالت بؤسا لعبد الله يا جارية هاتي جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرج بالديباج قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس تلك الجبة في الحرب وربما لبسها للعدو حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن أبي عمر عن أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت جبة مزررة بالديباج فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس هذه إذ لقي العدو وقال عطاء بن أبي رباح لا بأس بلبس الحرير في الحرب إذا كان جبة أو سلاحا وقال هشام بن عروة كان أبي له يلمق من ديباج يلبسه في الحرب وقال أبو بكر حدثني ريحان بن سعيد عن مرزوق عن بن عمرو قال قال أبو فرقد رأيت على تحافيف أبي موسى الديباج والحرير وقد رخص فيه للتداوي من الجرب والحكة حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع ومحمد بن بشر قالا حدثنا سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك أنبأهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للزبير بن العوام ولعبد الرحمن بن عوف في لباس قميص الحرير من حكة كانت بهما وكره مالك لباس الحرير في الحرب ولم يرخص فيه للحكة والجرب ولم تثبت عنده الرخصة في ذلك هذا تحصيل مذهبه وقد روي عنه الرخصة فيه للحكة وبه قال بن حبيب وكان بن محيريز وعكرمة وبن سيرين يكرهون شيئا من لباس الحرير في الحرب وقال بن محيريز كراهته في الحرب أشد لما يرجو من الشهادة وروي عن عمر بن الخطاب كراهية لباسه في الحرب وقد ذكرته في التمهيد بأكثر من هذا‏.‏

وأما الخبر عن بن عمر في كراهة قليل الحرير وكثيره فحدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني إبراهيم بن عرعرة قال حدثني معاذ بن معاذ قال حدثني بن عون عن الحسن قال دخلنا على بن عمر وهو بالبطحاء فقال رجل يا أبا عبد الرحمن ثيابنا هذه قد خالطها الحرير وهو قليل فقال اتركوا قليلة وكثيره وكان الحسن يكره كثيره وقليله قال أبو عمر تابع الحسن في ذلك بن عمر كراهة وكان بن عمر كثير التشدد‏.‏

وأما بن عباس فقال إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب الذي هو حرير كله حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني النفيلي‏.‏

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثني يحيى بن يحيى قال أخبرنا زهير أبو خيثمة قال حدثني خصيف عن عكرمة عن بن عباس قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير فأما القلم من الحرير وسدا الثوب فليس به بأس قال أبو عمر قول بن عباس تفسير أحاديث هذا الباب وعليه جمهور السلف والخلف من العلماء‏.‏

وأما نصوص أقوال الفقهاء في هذا الباب فروى بن وهب وبن القاسم عن مالك قال أكره لباس الخز لأن سداه حرير قال مالك وذكر لبس الخز فقال قوم يكرهون لباس الخز ويلبسون قلانس الخز فعجبا من اختلاف رأيهم قال مالك وإنما كره لباس الخز لأن سداه حرير قال أبو عمر هذا كله خلاف ما في موطئه عن عائشة أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه وقد روي عن مالك أنه لبس الخز وما أضنه الصحيح عنه والله أعلم والصحيح عنه ما ذكره الدولابي عن الزبير بن بكار قال حدثني مطرف بن عبد الله قال كان مالك بن أنس يلبس الثياب العجمية ويستجيدها وقد ذكرنا جماعة ممن لبس الخز من السلف الصالح فيما تقدم من كتابنا هذا وذلك كله يشهد لما قاله بن عباس في الحرير الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجال والدليل على ذلك أيضا أن عبد الله بن الزبير كان يلبس الخز ويحرم لباس الحرير والصرف الخالص وروى شعبة عن أبي ذبيان خليفة بن كعب قال سمعت عبد الله بن الزبير يخطب فقال سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وقال أبو نعيم وهب بن كيسان رأيت سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله وأبا هريرة وأنس بن مالك يلبسون الخز وروى عمار بن أبي عمار قال قدمت على مروان مطارف خز فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إلى أبي هريرة وعليه منها مطرف أغير وكأني أنظر إلى طرف الإبريسم فيه وقال بسر بن سعيد رأيت على سعد بن أبي وقاص جبة شامية قيامها قز ورأيت على زيد بن ثابت خمائص معلمة وهذا كله يدل على أن الخز الذي كانوا يلبسونه كان فيه الحرير وروي عن بن عمر أن الخز الذي كانوا يلبسونه لم يكن فيه حرير وكان مالك - رحمه الله - يعجبه مذهب بن عمر وورعه ولذلك كان يكره لباس الخز والله أعلم ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني معتمر بن سليمان عن حميد قال سئل أنس عن الحرير قال أعوذ بالله من شره كنا نسمع أن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة‏.‏ وحدثني أبو معاوية عن سعيد عن قتادة عن داود السراج عن أبي سعيد الخدري قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة قال‏.‏ وحدثني معمر عن يونس عن الحسن أنه كان يكره قليل الحرير وكثيره وهذا كله حجة لمالك ومن تبعه‏.‏

وأما الشافعي - رحمه الله - فأباح لباس قباء محشو بقز لأن القز باطن فكأن الملبوس عنده المكروه من الحرير ما كان ظاهرا والله أعلم لأن الأصل في الكراهة الواردة في الشبهة بزي الأعاجم والشهرة بذلك والله أعلم ومثل هذا حديث صفوان بن عبد الله بن صفوان أن سعد بن أبي وقاص استأذن على بن عباس وعليه مطرف خز شطره حرير فقال له في ذلك فقال إنما يلي جلده منه الخز‏.‏

وقال أبو حنيفة لا بأس بلبس ما كان سداؤه حريرا ولحمته غير حرير قال أكره ما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير وقال محمد بن الحسن لا بأس بلباس الخز ما لم يكن فيه شهرة فإن كان فيه شهرة فلا خير فيه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عباد بن العوام عن حصين قال كتب عمر بن عبد العزيز لا تلبس من الحرير إلا كما كان سداه قطنا أو كتانا قال أبو عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس الحرير فقال هو حرام على ذكور أمتي حلال على إناثهم وأجمع السلف والخلف من العلماء على أنه إذا كان الثوب حريرا كله فإنه لا يجوز للرجال لباسه ولبس الخز جماعة من جلة السلف وكان الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - لا يلبسون الخز لأنه بعيد من الزهد داعية إلى الزهو مضارع لزي العجم واختلف أئمة الفتوى من فقهاء الأمصار في لباس الخز وأعلام الحرير على نحو اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - وكلهم مجمعون على أن ثوب الحرير إذا لم يخالطه غيره فلا يجوز للرجال لبسه على ما قدمنا ذكره عنهم وما عدا ذلك من الثياب التي يتزين بها ويتجمل بلباسها فغير حرام شيء منها إلا أن من ترك المباح منها تواضعا لله وزهدا في الدنيا واستسهل الخشونة في مطعمه وملبسه رضى بالدون من ذلك فتلك منزلة أخرى‏.‏

وأما الحرام فلا يطلق إلا على ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ‏(‏قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبت من الرزق‏)‏ ‏[‏الأعراف 32‏]‏‏.‏

قال رجل للحسن البصري يا أبا سعيد إنا قد أرضى الله علينا ووسع الله علينا فتناول من كسوة وطيب ما لو شئنا اكتفينا بدونه فما تقول قال أيها الرجل إن الله تعالى قد أدب أهل الأيمان فأحسن أدبهم قال ‏(‏لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله‏)‏ ‏[‏الطلاق 7‏]‏‏.‏

وأن الله ما عذب قوما أعطاهم الدنيا فشكروه ولا عذر قوما ذوى عنهم الدنيا فعصوه وقال بكر بن عبد الله المزني البسوا ثياب الملوك وأشعروا قلوبكم الخشية وقد كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يلبس الخز وكان سالم بن عبد الله بن عمر يلبس الصوف وكانا يتجالسان في المسجد لا ينكر واحد منهما على صاحبه لباسه وقد كره العلماء من اللباس الشهرتين وذلك الإفراط في البذاذة وفي الإسراف والغلو وقد روينا عن الحسن البصري - رحمه الله - أنه قال إن قوما جعلوا خشوعهم في لباسهم وكبرهم في صدورهم وشهروا أنفسهم بلباس هذا الصوف حتى إن أحدهم بما يلبس من هذه الصوف أشد كبرا من صاحب المطرف بمطرفه وقال رجل لإبراهيم النخعي ما ألبس من الثياب فقال ما لا يشهرك عند العلماء ولا يحقرك عند السفهاء وقال محمود الوراق‏:‏

تصوف فازدهى بالصوف جهلا *** وبعض الناس يلبسه مجانه

يريد مهابة ويجن كبرا *** وليس الكبر من شكل المهابه

ولهلال بن عبد الله الرقي وكان من العلماء‏:‏

أجد الثياب إذا اكتسيت بها *** زين الرجال بها تهاب وتكرم

ودع التواضع في اللباس تحريا *** فالله يعلم ما تكن وتكتم

فدني ثوبك لا يزيدك زلفة *** عند الإله وأنت عبد مجرم

وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن *** تخشى الإله وتتقي ما يحرم

وفي هذا الحديث معان ظاهرة وقد ذكرتها وذكرت الشواهد عليها في التمهيدمنها جواز الهدية والصلة للأقارب وإن كانوا كفارا لقوله فكساها أخا له مشركا بمكة‏.‏

1703- مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه قال قال أنس بن مالك رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المدينة وقد رفع بين كتفيه برقع ثلاث لبد بعضها فوق بعض قال أبو عمر كان هذا من عمر - رضي الله عنه - زهدا في الدنيا ورضي بالدون منها كانت تلك حاله في نفسه وكان يبيح لغيره ما أباح الله لهم فقال إذا وسع عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع امرؤ عليه ثيابه وإنما يحمل الزهد في الدنيا لمن قدر عليها وكان عمر في خلافته أشد زهدا منه قبل أن يلي الخلافة وكذلك كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله وكان أبو بكر - رضي الله عنه - قبله على نحو ذلك وكان يلبس الثياب حتى عرف به ولذلك قالت غطفان في الردة ما كنا نبايع صاحب الكساء وكان علي - رضي الله عنه - مخشوشنا في لباسه ومطعمه على طريقة عمر كان قميصه إلى نصف ساقه وكمه إلى أطراف أصابع يديه وكلم في ذلك فقال هو أخشع للقلب وأبعد من الكبر وأحرى أن يقتدي به المؤمن وكان سلمان وأبو ذر في غاية من الزهد في الدنيا والرضا باليسير منها والروايات عن عمر وعلي وسلمان وأبي ذر بما وصفنا كثيرة جدا وروي من حديث مالك بن دينار عن نافع عن بن عمر أنه رأى أباه يرمي جمرة العقبة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم وروي عن الحسن عن أنس عن عمر مثله وفي كتابه إلى عتبة بن فرقد وهو أمير له بالبصرة تمعددوا واخشوشنوا وأقطعوا الركب أي تشبهوا بأبيكم معد وليكن طعامكم ولباسكم خشنا وخلقا وقوله وأقطعوا الركب ليثبوا على الخيل من الأرض وقد ذكرنا هذا الخبر عن عمر - رضي الله عنه - من طرق في التمهيد قال أبو عمر روى حاتم بن عثمان المعافري قال سمعت مالك بن أنس يقول حياة الثوب طيه وعينه بسطه ذكره سليمان بن سالم عن داود بن يحيى عن حاتم‏.‏

كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم

باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم

1704- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالبسط بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله - عز وجل - على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر رواه عن ربيعة - كما رواه مالك - جماعة منهم الأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمارة بن غزية وأنس بن عياض وسعيد بن أبي هلال وسليمان بن بلال وعبد العزيز بن أبي سلمة‏.‏

وأما قوله ليس بالطويل البائن فإنه ليس بالمشرف في الطول والمتفاوت في الشطاط الذي يكاد يضطرب من طوله وذلك عيب في الرجال والنساء يقول فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك والأمهق الأبيض الذي بياضه لا إشراق فيه كأنه البرص لا يخالطه شيء من الحمرة وذلك أيضا عيب والآدم الأسمر والأدمة السمرة والجعد القطط الذي شعره من شدة الجعودة كالمحترق يشبه شعور أهل الحبشة والسبط المرسل الشعر الذي ليس في شعره شيء من التكسر فهو جعد رجل كأنه دهره قد رجل شعره بالمشط أما قوله بعثه الله على رأس أربعين سنة فقد ذكرنا في التمهيد من تابع أنس بن مالك على ذلك من الصحابة وغيرهم ومن خالفهم فيه وذكرنا الأسانيد هناك عن ربيعة وعن كل من رواه عن أنس كروايته وممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين كما قال أنس وأبو هريرة وقباث بن أشيم ومحمد بن جبير بن مطعم وعروة بن الزبير وعطاء الخرساني وكذلك روى هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس وممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين بن عباس من رواية هشام الدستوائي عن عكرمة عن بن عباس وسعيد بن المسيب رواه حماد بن زيد ويزيد بن هارون وجرير بن عبد الحميد كلهم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وأربعين هذه رواية عبيد الله بن عمر القواريري عن حماد بن زيد وافق يزيد بن هارون وجريرا في ذلك وخالفه محمد بن الفضل عارم عن حماد بن زيد على ما نذكره بعد إن شاء الله عز وجل وقد ذكرنا الأسانيد بكل ما في هذا الباب عن من ذكرنا عنه فيه شيئا في التمهيد‏.‏

وأما مكثه بمكة ففي قول أنس من رواية ربيعة ومن رواية أبي غالب أنه مكث بمكة عشر سنين وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وبن عباس وهو قول عروة والشعبي والحسن وبن شهاب وعطاء الخرساني وكان عروة ينكر قول من قال أقام بمكة ثلاث عشرة وروى عكرمة وأبو حمزة وكريب وعمرو بن دينار كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد أن بعث ثلاث عشرة سنة وهو الصحيح عن بن عباس وهو قول سعيد بن المسيب وأبي جعفر محمد بن علي ويشهد له قول أبي قيس صرمة بن أبي أنس‏:‏

ثوى في قريش بضع عشرة حجة *** يذكر لو يلقى صديقا مواتيا

في أبيات قد ذكرتها في كتاب الصحابة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء بالسير والآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل إذ ساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت وقد ذكرنا كثيرا من أخباره وسيره في صدر كتاب الصحابة والحمد الله كثيرا واختلف في سنة يوم مات صلى الله عليه وسلم فروى ربيعة وأبو غالب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ستين سنة وهو قول عروة وروى حميد عن أنس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن خمس وستين سنة ذكره أحمد بن زهير عن المثنى بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد عن أنس وروى أبو مسلم المستملي عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس مثله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين سنة ورواه غير أبي مسلم عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو بن خمس وستين سنة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني عبد الرحمن بن عمر قال حدثني أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين سنة قال أبو عمر يقولون دغفل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف للحسن منه سماع في ما ذكروا والله أعلم وذكر البخاري عن أحمد - صاحب له - عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي زنيج عن حكام بن سلم عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين سنة وأبو بكر وهو بن ثلاث وستين وعمر وهو بن ثلاث وستين قال البخاري وهذا أصح عندي من حديث ربيعة قال أبو عمر اختلف على بن عباس في هذا المعنى أكثر من الاختلاف على أنس وروى شعبة عن يونس بن عبيد وروى الثوري عن خالد الحذاء كلاهما عن عمار مولى بني هاشم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين وروى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن بن عباس مثله وروى الحسن بن صالح عن المنهال عن سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وروى علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عباس مثله وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومحمد بن سيرين وأبو حمزة وأبو حصين ومقسم وعمرو بن دينار وأبو طهمان كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ثلاث وستين وروى شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير أنه سمع معاوية يقول توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين وروى موسى بن عقبة ويونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني عروة عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين زاد يونس قال بن شهاب‏.‏

وأخبرني سعيد بن المسيب عن عائشة بمثل ذلك قال أبو عمر هذا أصح ما في هذا الباب إن شاء الله ‏(‏عز وجل‏)‏ من جهة الإسناد على أني أعجب من رواية هشام بن عروة وعمرو بن دينار عن عروة قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ستين سنة فكيف هذا والزهري يروي عنه عن عائشة أنه توفى وهو بن ثلاث وستين قال أبو عمر يتفق على ثلاث وستين كل من قال نبئ النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وكل من قال بعث على رأس ثلاث وأربعين وأقام بمكة عشرا وقد ذكرنا الأسانيد عن هؤلاء كلهم في التمهيد ومنها ما ذكره يعقوب بن أبي شيبة قال حدثني عارم بن الفضل قال حدثني حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين أنزل عليه القرآن وهو بن آربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا هكذا روى كريب مولى بن عباس وأبو حمزة وعمرو بن دينار وهذا لفظ كريب عن بن عباس قال أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين سنة فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا وتوفي وهو بن ثلاث وستين سنة‏.‏

وأما شيبه فأكثر الروايات عنه على نحو حديث ربيعة عن أنس في تقليل شيبه وأن ذلك كان منه في عنفقته وقد روي أنه كان يخضب وليس بقوي ولا صحيح أنه خضب لأنه لم يبلغ من الشيب ما يخضب له حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح إملاء قال حدثني يوسف بن عدي قال حدثني الوليد بن كثير عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سألت أو سئل أنس هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يدرك الخضاب ولكن خضب أبو بكر وعمر حدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الرحمن بن عمر قال حدثني أبو زرعة قال حدثني علي بن عياش قال حدثني حريز بن عثمان قال قلت لعبد الله بن بسر أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم قلت أشيخا كان قال كان في عنفقته شعرات بيض ومن أحسن شيء في صفته صلى الله عليه وسلم ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني محمد بن سعيد الأصبهاني قال حدثني عيسى بن يونس‏.‏

وحدثني عبد الوارث وسعيد قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني يوسف بن عدي وزهير بن عباد وبن أبي شيبة قالوا حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن عبد الله مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال كان علي - رضي الله عنه - إذا نعت النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد وكان ربعة من القوم ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم وكان في الوجه تدوير أبيض مشرب بحمرة أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد أجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس بذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قوله الممغط هو الطويل المديد فيما ذكر أهل اللغة وقال الخليل الفرس المطهم التام الخلق وقال أبو عبيد المشاش رؤوس العظام وقال الخليل الكتد ما بين الثبج إلى منتصف الكاهل من الظهر والمسربة شعرات تتصل من الصدر إلى السرة حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني الحسن بن موسى الأشيب قال حدثني حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس عظيم العينين أهدب الأشفار مشرب العينين من حمرة كث اللحية أزهر اللون شثن الكفين والقدمين إذا مشى تكفى كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا قال أبو بكر‏.‏

وحدثني شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي - رضي الله عنه - أنه وصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان عظيم القامة أبيض مشربا حمرة عظيم اللحية ضخم الكرابيس شثن الكفين والقدمين طويل المسربة كثير شعر الرأس رجله يتكفأ في مشيه كأنما ينحدر في صبب لا طويل ولا قصير لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وقد أتينا من أوصافه ونعته والخبر عن هيئته في صدر كتاب الصحابة بما فيه شفاء وإشراف على المراد من ذلك والحمد لله كثيرا‏.‏

باب ما جاء في صفة عيسى بن مريم عليه السلام والدجال

1705- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالكعبة فسألت من هذا قيل هذا المسيح بن مريم ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمني كأنها عنبة طافية فسألت من هذا فقيل لي هذا المسيح الدجال قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث ولا في لفظه وكذلك رواه أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه بن شهاب عن سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فذكر نحوه في صفة المسيح بن مريم وقال ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينيه عنبة طافية قلت من هذا قال الدجال وإذا أقرب الناس شبها به بن قطن رجل من خزاعة وفي حديث جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين وفي حديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس حديث الجساسة في صفة الدجال أعظم إنسان رأيناه خلقا وأشده وثاقا وفي حديث الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس في ذلك فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض وهذه كلها آثار ثابتة صحاح من جهة الإسناد والنقل والآثار مختلفة في نتوء عينه وفي أي عينيه هي العوراء ولم يختلف في أنه أعور والعنبة الطافية الممتلئة المنتفخة التي طفت على وجهه وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال كما رآه في منامه ورؤياه ورؤيا الأنبياء مثله وحي ووصف عيسى بأنه آدم والأدمة لون العرب وهي السمرة في الرجال وقد تقول العرب للأبيض من الإبل الآدم والآدم من الظباء عندهم هو لون التراب واللمة واللمة هي أكمل من الوفرة والوفرة ما بلغت الأذنين من شعر الرأس وروى مجاهد عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المسيح أنه أحمر جعد عريض الصدر والأحمر عند العرب الأبيض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الأحمر والأسود وقال عكرمة في قول الله عز وجل ‏(‏وما جعلنا الرءيا التى أرينك إلا فتنة للناس ‏[‏الإسراء 60‏]‏‏.‏

قال أري إبراهيم وموسى وعيسى فذكر أن عيسى رجل أبيض نحيف مبطن كأنه عروة بن مسعود وقد ذكرنا الآثار التي أشرنا إليها ها هنا في التمهيد بإسانيدها ومتونها وذكرنا من أخبار عيسى بن مريم -عليه السلام- هناك في رفعه وكيف كان الأمر في ذلك ومعنى توفيه واختلاف العلماء فيه وقتله للدجال بباب لد بعد نزوله عند البيضاء بدمشق أخبارا حسنا وفي هذا كفاية والحمد لله كثيرا وأهل السنة مصدقون بنزول عيسى في الآثار الثابتة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الآحاد العدول وقوله صلى الله عليه وسلم ليهلن بن مريم بفج الروحاء حاجا أو معنمرا أو ليثنيهما ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى بن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وتكون الدعوة لله رب العالمين حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الدجال خارج وهو أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة وإنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحيى الموتى ويقول للناس أنا ربكم فمن قال أنت ربي فقد فتن ومن قال ربي الله حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته ولا فتنة عليه فيلبث في الأرض ما شاء الله ثم يجيء عيسى بن مريم من جهة المغرب مصدقا لمحمد وعلى ملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة ففي حديث سمرة هذا أعور العين الشمال وفي حديث بن عمر أعور العين اليمنى فالله أعلم وقد روى محمد بن عبيد الطنافسي قال حدثني مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال عين الدجال كأنها كوكب دري يقولون أنه لم يرو محمد بن عبيد عن مجالد إلا هذا الحديث‏.‏

باب ما جاء في السنة في الفطرة

1706- مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال خمس من الفطرة تقليم الأظفاره وقص الشارب ونتف الإبطة وحلق العانة والاختتان قال أبو عمر لم يختلف الرواة عن مالك في الموطأ في توقيف هذا الحديث على أبي هريرة وروى بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث محفوظ من حديث أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات الأئمة منها حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يقول خمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط قال أبو عمر الاستخداد حلق العانة وقد ذكرناه من طرق في التمهيد ومثله لا يقال بالرأي وقد روى أن قص الشارب والاختتان مما ابتلى به إبراهيم وقد ذكرنا في التمهيد أقوال العلماء وتأويل القرآن في معنى قوله عز وجل ‏(‏وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمت فأتمهن‏)‏ ‏[‏البقرة 124‏]‏‏.‏

وهذا الحديث يفسر قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشارب وبان بحديث هذا الباب أن المراد من الإحفاء هو قص الشارب قال مالك في هذا الباب من الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ولا يجزه فيمثل بنفسه وذكر بن عبد الحكم عن مالك أنه قال ليس إحفاء الشارب حلقه وأرى أن يؤدب من حلق شاربه وروى أشهب عن مالك قال حلقه من البدع وقال بن القاسم عن مالك حلق الشارب عندي مثلة قال قال مالك وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشارب إنما هو الإطار وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني يحيى بن إبراهيم قال حدثني أصبغ بن الفرج قال حدثني عيسى بن يونس عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال السنة في الشارب الإطار وروى هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن بن عباس أنه قال من السنة قص الأظفار والأخذ من الشارب وحلق العانة ونتف الإبط وأخذ العارضين قال أبو عمر خالف أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم مالكا في إحفاء الشوارب وسنذكر أقوالهم عند قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب في باب السنة في الشعر من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ولا خلاف بين العلماء في قص الأظفار ونتف الإبط وحلقه لمن صعب عليه النتف ولا في الاختتان أن كل ذلك عندهم سنة مسنونة مجتمع عليها مندوب إليها إلا الختان فإن بعضهم جعله فرضا واحتج بأن إبراهيم اختتن وأن الله - عز وجل - أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم ولا حجة فيما احتج به لأن من ملة إبراهيم سنة وفريضة وكل يتبع على وجهه ولا وقت مالك ولا جمهور العلماء في قص الأظفار ولا في حلق العانة وقتا لا يتعداه وحسبه إذا طال ظفره وشعره قطع ذلك وألقاه عنه وقد ذكرنا في التمهيد حديث أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الآباط في كل أربعين يوما وقال به قوم وهو حديث ليس بالقوي انفرد به جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي عمران الجوني عن أنس لا يعرف إلا من هذا الوجه وليس جعفر بن سليمان بحجة عندهم فيما انفرد به لسوء حفظه وكثرة غلطه وإن كان رجلا صالحا وأكثر الرواة لهذا الحديث إنما يذكرون فيه حلق العانة خاصة دون تقليم الأظفار وقص الشارب‏.‏

وأما الاختتان فذكر مالك في هذا الباب من الموطأ‏.‏

1707- عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم أول الناس ضيف الضيف وأول الناس اختتن وأول الناس قص الشارب وأول الناس رأى الشيب فقال يا رب ما هذا فقال الله تبارك وتعالى وقار يا إبراهيم فقال رب زدني وقارا قال أبو عمر كانت العرب تختتن في زمن إسماعيل ودليل ذلك في حديث بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس عن أبي سفيان بن حرب في حديث هرقل وكانت اليهود تختتن وذلك من شرعهم أيضا وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه سمعه يقول اختتن إبراهيم بالقدوم وهو بن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة وهو في أول هذا الباب عند القعنبي وجماعة من رواة الموطأ موقوفا على أبي هريرة ورواه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اختتن إبراهيم وهو بن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة ورواه قوم كما رواه مالك مرفوعا عن أبي هريرة ومنهم من أوقفه على سعيد بن المسيب وهو حديث مرفوع مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة ومن حديث المغيرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى يونس عن بن شهاب قال كان الرجل إذا أسلم يؤمر بالختان وإن كان كبيرا وكان عطاء يقول لا يتم إسلامه حتى يختتن ورأى مالك والشافعي وأبو حنيفة للكبير أن يختتن إذا أسلم واستحبوه للنساء وقال بن القاسم قال مالك من الفطرة ختان الرجال والنساء وقال النساء في قص الأظفار وحلق العانة كالرجال وقال سفيان بن عيينة قال لي سفيان الثوري أيحفظ في الختان وقتا قلت لا وقلت له أتعرف أنت فيه وقتا قال لا وروي عن بن عباس وجابر بن زيد وعكرمة أن الأقلف لا تؤكل ذبيحته ولا تجوز شهادته قال أبو عمر جمهور أهل العلم لا يرون بأكل ذبيحته بأسا إذا وقعت بها الزكاة كاملة وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الكبير أن لا يختتن واختلف محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وسحنون في الشيخ الكبير يسلم فقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم إذا ضعف وخاف على نفسه كان له ترك الختان وقال سحنون لا يترك الختان وإن خاف على نفسه واختلفوا في الذي يولد مختونا فقالت طائفة يجرى عليه الموسي وإن كان فيه ما يقطع قطع وقال آخرون قد كفى الله فيه المؤنة وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد والحمد لله كثيرا‏.‏

باب النهي عن الأكل بالشمال

1708- مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة وأن يشتمل الصماء وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه قال أبو عمر الأكل بالشمال يأتي القول فيه بعد في هذا الباب وقد مضى القول في المشي في نعل واحدة‏.‏

وأما اشتمال الصماء فقد فسرها أهل اللغة وفسرها الفقهاء وأتى في الآثار تفسيرها وهو أعلى ما في ذلك قال أبو عبيد قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا يحرج منه يده وربما اضطجع فيه على تلك الحال قال أبو عبيد كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه وأن يدفعه بيده فلا يقدر على ذلك لإدخاله يديه جميعا في ثيابه فهذا كلام العرب قال‏.‏

وأما تفسير الفقهاء فإنهم يقولون هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه ويضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه قال أبو عبيد والفقهاء أعلم بالتاويل في هذا وذلك أصح معنى في الكلام وقال الأخفش الاشتمال أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه من رأسه إلى قدمه يرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر فهذا هو الاشتمال فإن هو لم يرد طرفه الأيمن على منكبه الأيسر وتركه مرسلا إلى الأرض فذلك السدل الذي نهي عنه قال وقد روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل وقد سدل ثوبه فعطفه عليه حتى صار مشتملا قال فإن لم يكن على الرجل إلا ثوب واحد فاشتمل به فرفع الثوب عن يساره حتى ألقاه عن منكبه فقد انكشف شقه الأيسر كله وهذا هو اشتمال الصماء الذي نهي عنه فإن هو أخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فألقاه على منكبه الأيمن وألقى طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر فهذا التوشح الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به صلى الله عليه وسلم قال‏.‏

وأما الاضطباع فإنه للمحرم وذلك أنه يكون مرتديا بالرداء أو مشتملا فينكشف منكبه الأيمن حتى يصير الثوب تحت إبطيه وهذا معنى الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف وسعى مضطبعا ببرد أخضر وقد روي عن عمر بن عبد العزيز مثله قال والارتداء أن يأخذ بطرفي الثوب فيلقيهما على صدره ومنكبيه وسائر الثوب خلفه وقال بن وهب اشتمال الصماء أن يرمي بطرفي الثوب جميعا على شقة الأيسر وقد كان مالك أجازها على ثوب ثم كرهها وفي سماع بن القاسم عن مالك قال سئل مالك عن الصماء كيف هي قال يشتمل الرداء ثم يلقي الثوب على منكبيه ويخرج يده اليسرى من تحت الثوب وليس عليه إزار قيل له أرأيت إن لبس الثوب هكذا وعليه إزار قال لا بأس بذلك قال بن القاسم ثم كرهه بعد ذلك وإن كان عليه إزار قال بن القاسم وترك ذلك أحب إلي للحديث ولست أراه ضيقا إذا كان عليه إزار قال مالك والاضطباع أن يرتدي الرجل فيخرج ثوبه من تحت يده اليمنى قال بن القاسم وأراه من ناحية الصماء قال أبو عمر قد ذكرنا ما جاء في الآثار المرفوعة من تفسير الصماء في التمهيد في باب أبي الزبير والأصل في ذلك النهي عن كل لبسه ينكشف الرجل فيها حتى يبدو فرجه فإنه لا يحل لأحد كشف فرجه في موضع ينظر إليه آدمي إلا حليلته امرأته أو أمته وهذا أمر مجتمع عليه وقد جاء منصوصا في حديث أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصماء ونهى أن يلتحف الرجل أو يحتبي في ثوب واحد ليس على عورته منه شيء وفي بعضها كاشفا عن فرجه‏.‏

وأما اشتقاق اللفظة في اللغة فإنما قيل لتلك اللبسة الصماء لأنها لبسة لا انفتاح فيها كأن لفظها مأخوذ من الصم ومنه قيل لمن لا يسمع أصم لأنه لا انفتاح في سمعه ومنه قيل للفريضة التي لا تتفق سهامها صماء لأنه لا انفتاح فيها قال أبو عمر الاسم الشرعي أولى في هذا القول من اللغوي‏.‏

1709- مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله قال أبو عمر قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الله فوهم فيه ولم يتابعه أحد من أصحاب مالك عليه والصواب فيه عبيد الله بن عبد الله بن عمر لأن عبد الله بن عمر له بنون منهم عبد الله ومنهم عبيد الله والد أبي بكر هذا وقال بن بكير في هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن بن عمر ولم يتابعه أحد أيضا على قوله فيه عن أبيه وإنما الحديث لابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله عن جده عبد الله بن عمر وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث على مالك وعلى بن شهاب وذكرنا أولاد عبد الله بن عمر وبنيهم كل ذلك في التمهيد والحمد لله وفي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين وفي حديث جابر قبله النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها ومعلوم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها فمن أكل بشماله أو شرب بشماله وهو عالم بالنهي ولا عذر له ولا علة تمنعه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله فقد غوى وكذلك الاستنجاء باليمين والله أعلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء باليمين وأمر بالاستنجاء باليسرى والسنة في ذلك كله مجتمع عليها حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الأيلي العثماني قال حدثني سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وهكذا روى الحميدي وعلي بن المديني ومسدد وبن المقرئ وغيرهم عن بن عيينة‏.‏

وحدثني عبد الرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثني حمزة بن محمد قال أخبرنا القاسم بن الليث قال أخبرنا هشام بن عمار قال حدثني هقل بن زياد قال حدثني هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمنيه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويأخذ بشماله ويعطي بشماله قال أبو عمر حمل قوم هذا الحديث وما كان مثله على المجاز في أكل الشيطان وشربه قالوا المعنى فيه أن الأكل بالشمال يحبه الشيطان كما قيل في الخمر زينة الشيطان وفي الاقتعاط بالعمامة عمة الشيطان أي أن الشيطان يرضاها ويزينها وكذلك يدعو إلى الأكل بالشمال ويزينه ليواقع المرء ما نهي عنه وهذا عندي ليس بشيء ولا معنى بحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما وفي هذا الحديث نص بأن الشيطان يأكل ويشرب ومن الدليل أيضا على أن من الشياطين من يأكلون ويشربون قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الاستنجاء إن ذلك زاد إخوانكم من الجن وفي حديث آخر إن طعام الجن ما لم يذكر اسم الله عليه وما لم يغسل من الأيدي والصحاف وشرابهم الجدف وهو الرغوة والزبد وهذه الأشياء لا تدرك بقياس ولا اعتبار ولا يصح فيها تكييف وقد قيل إن أكل الشيطان تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع وإنما المضغ والبلع لذوي الجثث فيكون شمه واسترواحه من قبل الشمال وقد أوردنا في معنى الجن والشياطين والإخبار عنهم وأن لهم حياة وأجساما وأنها تختلف صفاتهم في كتاب التمهيد ما فيه كفاية وحسبك بما في القرآن من تكليفهم وطاعتهم وعصيانهم وأن منهم الصالحين ومنهم دون ذلك المؤمن والكافر وأنهم يسترقون السمع وفي سورة الأحقاف وسورة ‏(‏قل أوحي إلي‏)‏ ‏[‏الجن 1‏]‏‏.‏

وسورة الرحمن ما فيه شفاء وبيان وروينا عن وهب بن منبه أنه سئل عن الجن وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون فقال هم أجناس فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون ويموتون ومنهم السعالى والغول والقطوب وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده عن وهب في التمهيد‏.‏